على مدى عمر تاريخي خصب تشهد له غابر أيام القرون عاشت مدينة (كركوك) ذات الخصوصية الحضارية التركمانية البديعة ابنة للعراق الذي ما زال يفخر بأمجاد تاريخها وموقع بنيان كيانها الصاعد بأهميته على بقعة متوهجة الأصالة من شمال أرض وادي الرافدين موطن ميلاد الحضارات الشاهقة العتيقة ، فصير منها ذاك الموقع المتفرد بتميزه بقعة ليس كمثلها بقعة من بقاع التواصل الجغرافي النادر بين المناطق المتباينة التضاريس التي تطوقها مجاورة لها في المنطقة، وذاك ما صير موقعها ذو حظ مناخي بديع التكوين نالته من كونها تقع على خط اللقاء بين غزارة أمطار وثلوج المناطق الجبلية وبين ارتفاع حرارة وجفاف البوادي والسهول بكفاف أمطارها المفرطة في شحها ..
وشاء مزاج الطبيعة أن يحكم الزراعة على أرضها باعتمادها على أمطار الشتاء التي لطالما كانت عونا لأمزجة الطبيعة على أراضي الواقعة على ضفتي نهر (خاصة صو) والذي حكمت الطبيعة على مياهه بالجريان شتاء وبالقحط المدقع صيفا .. ثم صارت الزراعة هي الآمرة الناهية على حرفة الصناعات اليدوية في أقضية كركوك كذلك .. لكن تلك الثروة النفطية التي رفع ثراؤها الواسع رأسه من قلب أرض كركوك كان وما زال نجم استرعاء رغبات قراصنة الاستعمار الأجنبي للانقضاض على المنطقة من بعد الحرب العالمية الأولى وحتى يومنا هذا ..
وعلى مدى اتصال أذيال القرن التاسع عشر بأذيال نهايات القرن العشرين نشط خبث أساليب التطفل الأجنبي على خصوصيات حياة المنطقة وأمنها الديني والاجتماعي والسياسي ليبذر سموم العداء في أرض النسيج العراقي بأطيافه الدينية والقومية والطائفية عموما وإن كانت كركوك لخصوصية نسيجها السكاني الفريد قد نالت من ذلك جرعات عالية السمية .. وتعاونت سادية نظام الحكم السابق على إثم ذلك بما تعمدته بحق سكان كركوك وما حولها من تاريخ التعذيب والترحيل وإبادة الحرث والنسل وما لهما من صور العمران والحضارة العتيقة ..
وهاهي جراحات العراق المسرفة في غزارتها ترقب اليوم بهلع تفاقم فصول جرائم اغتيال حياة كركوك بتسارع ينتهز فرصة عبث فوضى آثار الاحتلال على الأرض العراقية الحزينة..ولو كانت أصوات المستصرخين من سكان كركوك الأصليين تزفر بصوت معاناتها على طود من الجليد لانقلب من ساعته حفرة من لهب عصي على الانطفاء لفرط تأثره .. لكن ذلك لا يكاد يبلغ من اهتمام المسامع قياسا لفرط أهميته ما يستحق بحق ..
معضلة قضية كركوك هي مشكلة منطقة وما حول المنطقة، ومأساة حياة الأبرياء من سكان المنطقة المرصودة للاختطاف المتعمد كي تراق حياتها على مذبح أنانية الانفصالية .. ولن تسلب من العراق قطعة أرض جامدة فحسب حين ضياع كركوك ، بل سيسلب تاريخ وتمتهن حقوق وتذوب حضارة مرسومة على صورة حياة المدينة العراقية ذات الخصوصية الحيوية التركمانية بشهادة ضمير التاريخ الفار من عبث نشاط التزييف ..